بيان منظمة ملفات قيصر للعدالة بشأن التحقيق المشترك «ملفّات دمشق»

إلى عائلات الضحايا السوريين، وإلى كل من يتابع قضية المفقودين والانتهاكات في سوريا،

تابعنا كما معظم السوريين والسوريات طريقة عرض التحقيق المشترك “ملفات دمشق” الذي شاركت فيه نحو أربعٍ وعشرين وسيلة إعلامية، والذي يسعى إلى كشف الطريقة الوحشية التي كان نظام بشار الأسد يقتل السوريين والسوريات بها.

نؤكد بداية أنّنا نثمّن أي جهود إعلامية هدفت إلى مساعدة أهالي الضحايا، ولا نشك في نوايا الكثير من وسائل الإعلام الساعية لتسليط الضوء على معاناة السوريين. ومع ذلك، كان من الضروري، ومن مقتضيات الأخلاق المهنية، أن تراعي هذه الجهود خصوصية الوضع السوري لا سيما في ظلّ استمرار إفلات المسؤولين عن الجرائم من المحاسبة، وبالنظر إلى أن الحكومة السورية المؤقتة تمتلك جميع المعلومات المتعلقة بالضحايا، وأن المؤسسات الدولية تتابع هذا الملف ضمن منهجية مستقلة وحقوقية، تحفظ كرامة الضحايا وحقوق عائلاتهم ومشاعر السوريين جميعًا.

وانطلاقًا من هذا الواقع، كان الأجدر تنسيق الجهود مع المؤسسات الوطنية والجهات الدولية المختصّة لضمان الكشف السليم عن مصير الضحايا، وإبلاغ عائلاتهم بطريقة كريمة ومسؤولة، وبما ينسجم مع المعايير الحقوقية والإنسانية.

إنّ منظمة ملفات قيصر للعدالة تواصل اليوم عملها بالتعاون مع شركاء محليين ودوليين للكشف عن مصير الضحايا، استمرارًا لجهودها منذ تأسسها عامَ 2022 على يد فريق «ملفّات قيصر» الذي عمل على الملف الأوّل المسرّب بين عامي 2011 و2013، وعلى ملفات أخرى لإدانة النظام السوري بجرائم ممنهجة استُخدمت لقتل وتهجير السوريين، خدمةً لمصالح شخصية ومباشرة وأحيانًا دولية.

ومن المهم توضيح أنّ فريق عمل «ملفّات قيصر» لم يُقدِم في أي مرحلة على تسريب صور الضحايا الذين قُتلوا تحت التعذيب. ما سُرّب من مواد في ذلك الوقت كان يُراد له أن يكون نهاية العمل على الملف، لكنَّ الفريق – وبسبب الدوافع الوطنية والإنسانية – اختار الاستمرار وعدم التوقف، ملتزمًا بمنهج عمل قائم على احترام كرامة الضحايا وكرامة أهاليهم.

نؤكّد أننا ما زلنا نعمل بالطريقة ذاتها التي عرفنا بها الشعب السوري، وبالانسجام مع روح ثورته العظيمة التي لا نعتقد أنها انتهت؛ لأن الثورة حالة اجتماعية لها أهداف لم تتحقق بعد.

ومع استمرار إفلات بشار الأسد وسائر المسؤولين عن الجرائم من المحاسبة، وتمتّعهم بامتيازات لا حصر لها، وفي مقدّمتهم بعض رجال الأعمال الذين لم يترددوا في الوقوف إلى جانب النظام في قتل السوريين طوال أربعة عشر عامًا، يزداد إيماننا بواجبنا الأخلاقي والحقوقي تجاه الضحايا وعائلاتهم.

لقد مرّت على الفريق سنوات صعبة، حملت في كثير من الأحيان حدودًا واضحة للإمكانات، يعرفها السوريون المهتمّون بمسار عملنا الطويل. ومع ذلك، شكّلت تلك الفترات مساحةً لإعادة ترميم منهجية عمل تحافظ على أعلى درجات المهنية والاحترام. واستمر العمل بصمت ومسؤولية طوال أربعة عشر عامًا، وما زال مستمرًا.

وخلال جميع مراحل العمل، لم يتردّد الفريق في التواصل مع عائلات الضحايا والإجابة عن استفساراتهم بالاعتماد على الأدوات المتاحة، وعلى البحث الدقيق بالعين المجردة على الرغم مما يسببه من إرهاق نفسي كبير نتيجة للمتابعة اليومية للصور والمعلومات. وقد جرى دائمًا تقاسم أي معلومة مع العائلات مباشرة ومن دون وسطاء، ضمن منهجية واضحة ومستمرة.

كما أننا لم نحتفظ بمعلومات تفصيلية عن الضحايا وعائلاتهم لأغراض التوثيق المؤسسي، لأن الهدف الرئيس كان – وما زال – التركيز على المسؤولين عن هذه الجرائم الواضحة، أكثر من بناء منظومة أرشفة طويلة الأمد لضحايا التعذيب بعد التثبّت من صحّة الصور والملفات ذات الصلة.

منذ البداية، اعتمد الفريق منهجًا يهدف إلى تجنّب الإضرار النفسي بالسوريين، وإدراكًا منا أن نشر أي معلومات مرتبط بمسؤولية كبيرة. واصلنا الاعتماد على وسائل تحقق بسيطة بحكم ضعف الموارد، وفي ظلّ غياب الأدوات المتقدمة المتاحة للمنظمات الدولية.

ويؤكد الفريق موقفه الثابت:

نحن ضد أي تعاطٍ إعلامي مع مواد أو أدلة متعلّقة بالضحايا بصورة تُعرّض كرامتهم أو مشاعر عائلاتهم للأذى. ونرى أن الحكومة السورية المؤقتة – بصرف النظر عن الإمكانيات المتاحة لها – تتحمل مسؤولية سياسية وأخلاقية عن أي ضرر يلحق بالعائلات نتيجة سوء إدارة هذه الملفات. كما يجب أن تتحمّل مسؤولياتها وألا تتعامل مع السوريين بمبدأ «الوقت كفيل»، فهي ليست منظمة مجتمع مدني، بل سلطة مسؤولة عن تحقيق العدالة لضحايا هذه الجرائم وعن إجلاء مصير الضحايا.

وبناء على ما سبق، نحذّر من أن أي استخدام إعلامي غير منضبط للملفات التي خرجت من سوريا قد يعرّض قيمتها القانونية للتشكيك، ويشكّل اعتداءً مستمرًا على مشاعر الناس وأهالي الضحايا وحقوق عائلاتهم.

إيمانًا منا بأهمية استدامة الأرشفة وحفظ الأدلة، يواصل الفريق تعامله مع المواد المتاحة باحترام واحترافية، ويعمل بشكل كبير ومركّز على كشف الحقيقة بالتعاون مع عائلات الضحايا، وهيئات الأمم المتحدة المختلفة.

حماية الشهود واجب أخلاقي يلتزم به الفريق، حتى في الحالات التي لا يُعلن فيها ذلك، لأن بعض الشهود لا يدركون حجم المخاطر التي يمكن أن يتعرضوا لها.

كما أن تباطؤ أجهزةالحكومة المؤقتة في القيام بحماية الأدلة أسهم في زيادة العبء على المجتمع المدني، في حين كان من المتوقّع منها أن توفّر إطارًا مؤسسيًا يخفّف هذا العبء، ويحمي الضحايا وعائلاتهم.

وفي المقابل، يبقى عمل هيئات المفقودين والعدالة الانتقالية عملًا محدّدًا بسقفٍ زمني وجغرافي وبأنماط معيّنة من الضحايا، بينما يظل المجتمع المدني مستمرًا في أداء دوره الحيوي في الدفاع عن الحقوق، وتوثيق الانتهاكات، ومحاولة كشف مصير المفقودين والمغيبين.

أخيرًا، وفي ظل تعدّد الجهات المتورّطة في الجرائم بحق السوريين والمدنيين، يبقى دور المجتمع المدني أساسيًا وحيويًا في دعم حقوق الضحايا ومحاولة كشف مصيرهم وحماية عائلاتهم.

إننا نؤكد التزامنا المستمر تجاه هذه القضية، وإصرارنا على العمل بمسؤولية، واحترام، ومنهجية حقوقية تحفظ كرامة الضحايا وعائلاتهم، بعيدًا عن أي تعاطٍ إعلامي غير مسؤول، وبما ينسجم مع واجبنا الأخلاقي والإنساني تجاه السوريين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *